البحث عن الذات

منذ الصغر ورغبة معرفة الذات و الأصول تساكن جوارحي. أريد أن اعلم من انأ ؟ وما سر اسمي ؟ أريد إن ألامس حقائق ماضي أسرتي و عائلتي و لما لا ما يمكن إن استكشفه من أغوار السنوات الماضيات بل القرون. كان البدء عسيرا و كان الحلم براقا . لن ابخل عنك بسرد كل ما جاد به الدهر من دفائن الأحداث.
مند الصبا و الوالد عبد السلام بن محمد بن إبراهيم بن علي أو الحاج بن حما ( أمه فاطنة = فاضمة بنت عمر) ، رحمه الله، يسرد عنا ، نحن الأبناء، ما خزن له الدهر من ذكريات وكنا نستشف منه عبق "لبلاد" التي لا نعرف حتى وجهتها و شكل سكانها .... يقنعنا إننا شرفاء ... أدارسة.
اقتنعت بصدق كلامه بعد إن حصلت(نا) على نسخة شجرة العائلة التي تقر بنسبنا . هذه الورقة الغالية و السامية التي كان عمي محماد رحمة الله عليه يدسها بين أغراضه الخاصة ككنز فريد لم يجد به الزمان ، ستكون نقطة انطلاق بحثي الأزلي الذي انطلق و لن ينتهي ما دمت على هذه البسيطة لم أراوحها.
خمسة و عشرون سنة و أنا أتصفحها و أمعن في كلماتها بحثا عن طرف الخيط الموصل لفك الألغاز الكامنة بها.
لم أجد أكثر مما قيل لي رغم إلمامي بدراسة الوثائق حتى حلت الساعة التي أريد لي أن أجد مفتاح اللغز: أين تقع ارض الأجداد ؟
 نعم  ... عايشت صدفة أحسن من ألف ميعاد ... في مصيف سنة 2008 كنت ممتطيا القطار قاصدا مراكش بعد أن قمت بزيارة عائلية . وأثناء الرحلة شاءت الصدف أن أتبادل الحديث مع فتى مسفيوي مسافر بمفرده . و أثناء تجاذب أطراف الحديث أشرت عليه أنني من قبيلة مسفيوة و بالضبط ايت بوسعيد .حملق في و قال إن سحنتي تدل على ذلك طالبا مني أن اعرفه بعائلتي .... قلت له ما اعرف فأجاب انه يعرفهم و حدد لي جهة تواجدهم بنوع من الغموض الذي ظل بذهني ... أين توجد بالضبط ؟
  سؤال حملته بين ضلوعي هنيهة من الزمن ... بعد وقت قصير من الواقعة الأولى ، و في نفس ظروف السفر التقيت أختين من نواحي اغمات ، أحداهما معلمة بإقليم قلعة السراغنة ، أدلتني أصغرهن الطالبة و المولعة بتاريخ منطقة الأطلس الكبير الغربي - ضمن حديث جمعنا مع من كان بالمقصورة -على موقع القبيلة و وهبتني جملة من المعلومات
من هنا عزمت على المسير في مشوار البحث و التنقيب و التقصي بحثا عن سؤال : من أنا ؟ و ما أصولي ؟
كانت الانطلاقة ذات صباح من ايت اورير في اتجاه مسقط رأس أجدادي و موطنهم لأجيال طبقا لأجندة خطت اسطرها ،دون شعور ، تلك الطالبة الامازيغية المرحة الخفيفة الظل و الخدومة. لقد أشارت علي بمركز القبيلة الإداري و موقعه  .فبمجرد ما وصلت محطة سيارات الأجرة بايت اورير قرب الباشوية حتى سألني احد الوسطاء حول وجهتي . أشرت عليه مظهرا ثقة العارف : "  السبت " و كان ذلك اليوم يوم سبت ... يوم التأم السوق الأسبوعي . استلقيت أول سيارة أجرة متجهة لذلك المكان . الكل يتكلم الامازيغية إلا أنا . فلقد ولدت و نشأت و ترعرعت في الدار البيضاء ... من عواصم الشاوية حيث " أعراب " . بعد حوالي عشرين دقيقة و صلنا إلى موقف سيارات الأجرة بالساحة الرئيسية الضيقة للمركز القروي سبت اكفروان .ولجت السوق و تجاوزته في اتجاه الجنوب . أمعنت النظر في الأطراف حيث قمم الجبال . ببعضها تراكمت الثلوج بكميات متفاوتة.أحسست برهبة المكان ...رغبة العودة إلى الأصول بعد طول غياب و الإحساس بتحقيق ذلك .اقتربت من احد الشيوخ المتجه الى مسكنه بعد اكتمال تبضعه . سألته عن موطن "ايت بوسعيد" حدده لي بدقة و أشار علي بثمن امتطاء السيارة رباعية الدفع .اتجهت إلى إحداها التي مكنتني من الوصول إلى مبتغاي في النهاية : دوار اكروكا . مكثت به هنيهة و عدت أدراجي.
منذ زيارتي الأولى هاته ، توالت الزيارات الأسبوعية ( كل سبت تقريبا منذ الربع الأخير من سنة 2008 ) للمنطقة بغية استغوار مكامنها الجغرافية و التاريخية و الحضارية ، و البحث عن أجوبة لعدة أسئلة كانت تجول بمخيلتي لسنوات : ما دوار أجدادي و مواطن السالفين منهم إناثا و ذكورا ؟ و اين مدافنهم ؟ 
و من هم أفراد آسرهم المتبقين به و درجة القرابة بهم و بأفراد أسرتي الصغيرة و عائلتي حاليا ؟ 
أين كانوا يمارسون مختلف أنشطتهم الاقتصادية و خصوصا الفلاحة ؟ ما مكانة موقع القبيلة الاستراتيجي ؟ 
  ما ارتباطاتها الاقتصادية مع المناطق المجاورة ؟ 
ما طرق المواصلات المارة بهذا الموقع ؟ 
ما المسار الترابي الذي سلكه جدي حين غادر الدوار آخر مرة و ما قصة ذلك ؟ ... أسئلة شخصية و أخرى عامة ما زالت تجول بجوارحي كموطن أب جدي يحيى "أبو سعيد" الذي ينتسب إليه هذا البطن الشريف من قبيلة مسفيوة قرب دمنات و دلالة بعض أسماء الدواوير. و قد تولدت لدي استفهامات جديدة حول مواقع أثرية كاغمات ايلان و تاسغيموت ... و قد تمكنت من الإجابة على العديد منها إما بشكل قاطع أو من خلال طرح فرضيات أولية ما زلت أكابد من اجل الحسم فيها . استعنت و ما زلت في ذلك بعدة أناس صادفتهم عبر الصدفة أو مسؤولين عموميين أو خواص بقطاعات مختلفة . و كذا النهل من كل ما تمكنت الوصول اليه من مصدار و مراجع
الى الان ، ما زلت في رحلة البحث عن الذات و سأظل أبحث خدمة للانساب عموما. الله الموفق